صالون الصريح

جميلة الماجري …من رائحة البخور المسافر في مقام ‘سيدي الصحبي’…

كتب: فوزي الديماسي

هي صوت شفيف ، رقيق ، مضمخ بعبق التاريخ ، منحدر من حكايا المنسج في سقيفة قيروانية عتيقة.

بل هي قول قادم من هناك ، من بعيد ، من وراء أبواب الأسرار الموصدة ، ومن شغاف مقاصير القصور المنسية ، هو قول رقيق رقة النسيم ، يمشي في مناكب الشعر واثق الخطى ، يذرع مدن النساء وصحف الأولين غدوا ، ورواحا.

إنه البوح المنساب من صوت الآذان في صومعة الجامع الكبير ، أو من بين ثنايا صداه المتردد في أركان أم المدائن المخضب كفها بجلالة الأسوار .

هي ترانيم متدفقة من هناك ، من غبار التراث ، من صهيل الخيل الفاتح ، من خرير الماء الهادر في بئر “البروطة” ، من نغمات صوت ملائكي يرتل الذكر في بطن الليل ترتيلا.

يمتح نسجها للكلمات وتطريزها للخطاب من حلقات الذكر ، من حنجرة علي البراق ، من رحيق الصداق القيرواني ، من رائحة البخور المسافر في مقام “سيدي الصحبي” يحلق برائحته الذكية فوق ثرثرة النسوة قرب “التابوت”، وحول أحاديثهن عن أوجاعهن ، وأحلامهن الجريحة في مدن الذكورية الممتدة.

سليل أروى القيروانية

سليل أروى القيروانية حديثها ، ونطفة من بيوتات العز نجواها ، تداعب كلماتها الوجدان في محراب الوجد، وهي تحدثك عن وجاهة الغابرين من نساء رفعن مجد الأمة إلى شاهق مرتفعات الفخر بلا عمد .

كأنه الشوق الصوفي قولها إليك، كالماء يجري بين يدي الوجود المؤنث حديثها إليك ، يروي” كشهرزاد الحكاية” قصص النساء في غفلة من ديك الصباح ، ليخلد للمرأة في العالمين ذكرا ، وليخط على لوح التاريخ سيرة أنثى تداعب الكلمات مداعبة “نؤوم الضحى” لخيوط الأحلام من وراء منسج الرواية.

هكذا هي الكلمات بين أناملها ، وفي “شرع الحب” / شرعها.كلمات هادئة الخطو ، حالمة التوقيع ، منسابة انسياب الماء في الجدول ، تحفر في الصخر بمداد عليم ، وترسم على جبين الوجود سيرة أنثى بحبر يضاهي صوت الحفيف في رقته ظاهرا ، صنو زئير البحر في غضبته باطنا ، لتبعث من بعد ذلك ، ومن بين كثبان الكلمات ، ومن قيعان التطريز صورة لامرأة في العالمين فريدة ، تدندن من فوق قمة أنوثتها قولا رافلا في التثني ، والصلف ، والكبرياء صقيلا :

كبير عليك الهوى
وأكبر منك القصيدة
وأبعد عنك التماس النجوم
من الأمنيات البعيدة
فجل النساء شبيهات بعض
وواحدة بين عصر وعصر تجيء
كلؤلؤة في الكنوز
فريدة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى