بنزرت: مسرحية ‘قطيع’ لـ حمادي المزّي تطرح المعادلة الصعبة

مواكبة: الأمين الشابي
في تواصل لفعاليات الدورة 10 لمهرجان الجيلاني كبير للمسرح ببنزرت، تمّ تقديم مسرحية ‘قطيع’ لـ حمادي المزي اخراجا وإدارة، وتمثيل، كل من عز الدين بصير وحسني العكرمي ومحمد حواص ويحي الفايد وأصالة حواص وغيرهم (نعتذر عن عدم ذكر بقية الأسماء في غياب الورقة الفنية لهذا العمل المسرحي).
وإن حضر هذه المسرحية عدد قليل من أحباء الفن الرابع، فإنّ ذلك قد يرجع بالأساس لمحدودية الإشهار لهذا المهرجان الهام لترسيخ قيمة المسرح وبالتالي العودة به إلى أوج انتشاره كما كان في زمن السبعينات والثمانينات.
وفي هذا الجانب، نرجو التواصل مع المؤسسات التربوية والجامعية وتحسيس المواطن العادي عبر محامل الإشهار لوجود مثل هذا المهرجان، حتّى لا نقول وأنّه لا شيء يوحى بوجود هذا المهرجان أصلا. باستثناء ما تمّ تعليقه في رحاب المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت من معلقات وومضات.
مسرحية عميقة في طرحها
تناولت مسرحية ‘قطيع’ للمخرج حمادي المزّي موضوعا من الأهمية بمكان حيث شرّحت ” إكلينيكيا” الفجوة الكبيرة الموجودة بين ‘النخبة’ المدركة والطامحة لما يجب أن تكون عليه الحياة الكريمة للمواطن، وبين البقية المغيبة (القطيع) عمّا يدور حولها والقانعة بحياة ‘الحيوان’ الذي يأكل ويشرب وينام ويتناسل ولكنه لا يدرك أنّه في غيبوبة تامّة لإنسانيته، زائد عن هذه الضرورات الحياتية. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
ولتجد هذه النخبة نفسها في مستشفى المجانين. وبالفعل هم مجانين في نظر السلطة التي تريد أن تجعل منهم ‘أسوياء’ كبقية القطيع ولكن على مقاييس معينة.
صراع بين النُخبة
ومن هنا يبدأ الصراع بين أفراد هذه النخبة القليلة العدد مقارنة مع بقية القطيع في صراع قاتل مع الجهة الرسمية والمتمثلة في إدارة هذا “المستشفى” التّي تبحث عن كبش فداء لتلبسه الجريمة التي تمّ اقترافها من قبل جهة مجهولة.
ولتبدأ معها الحصص العلاجية بل لنقول حصص الاستنطاق وليكون الحمل ثقيلا على المستجوبين ’المجانين’ من أجل طمس وإطفاء شعلة الإدراك والوعي التي بدأت تدب في عقول هؤلاء العقلاء ‘المجانين’ وليكون الصراع ومحاولات الانعتاق من هذا القيد الذي يحاول تكبيل عقولها لا أجسادهم حتى يصطفوا مثل بقية القطيع لهيمنة السلطة. في كلمة وكأن المسرحية تحذرنا من مغبة المشي في طريق الوعي في غياب سلطة ديمقراطية لا تؤمن بالرأي المخالف، تحرص على الحياة الكريمة لمجتمعاتها. وذلك في كنف الاحترام للنخبة التي لا بدّ من اعتبارها مصدرة قوّة لمساعدة السلطات لا مصدر شغب وجب معاقبته.
ما رمزية الناقوس؟
ما يشدّ الانتباه هو وجود ناقوس من الحجم الكبير يتدلى من أعلى الركح، زائد استعمال نواقيس من الحجم الصغير، استعملها أفراد إدارة مستشفى المجانين كلما أرادوا شل حركة أحد ‘المجانين’.
وهنا يطرح أكثر من سؤال حول المراد الإشارة إليه عبر هذا الناقوس الكبير الحجم وبقية النواقيس الصغيرة. هل يعني ذلك وأنّ ناقوس الخطر يدّق كلما تنامى الوعي والإدراك لدى النخبة؟ وهل أفراد إدارة المستشفى في استعمالها لهذه للنواقيس الأقلّ حجما، هو امتداد لهذه السلطة وتكامل فيما بينهما، وذلك من أجل إنهاء ظاهرة الوعي والإدراك ولو بإلصاق تهمة المجانين لهؤلاء؟ أم هذا الناقوس يرمز إلى التعليم وما أنتجه من وعي وإدراك وبالتالي لابدّ من ضرب الناقوس حتى لا يتجاوز الوعي مستوى معينا؟ هذه هي بعض التأويلات لهذا الناقوس الذي دوّى أكثر من مرّة للشل حركة هؤلاء “المجانين”.
وبالتالي سؤالنا في هذا المضمار موجه للمخرج الكبير حمادي المزّي ومفاده هل من توضيح لاستعمال هذا الناقوس الكبير والذي أنهى حياة أحد هؤلاء “المجانين” شنقا؟
حضر المسرح وغاب الجمهور
يقول أحد مفاهيم المسرح بأنّ ‘المسرح نصّ ومنصّة وممثل وجمهور’… ولكن في جلّ العروض المسرحية حضر النصّ وحضرت المنصة وحضر الممثل ولكن غاب الجمهور. وبالتالي على المشرفين على هذا المهرجان الهام تدارك ومعالجة هذا العزوف الكبير. خاصة وأنّ الجهة تعج أولا بالفرق المسرحية وفي تواجد مركز للفنون الدرامية والمسرحية ببنزرت وفي وجود مدارس عليا وجامعات تعج بالطلبة والتلاميذ.
وعليه لا بدّ من تلافي هذه السلبية لأنّه لا قيمة للمسرح في غياب الجمهور، باعتبار وأنّ المسرح أداة تثقيف وترفيه.