فنون

الفنان الكبير عدنان الشواشي: تعلّموا من مأساة الهادي القلال..

كتب: عدنان الشواشي

لن أحكي لكم عن مدى قساوة السّنين التي عاشها مطربنا الرّائع الكبير ” الهادي القلّال ” آخر عمره ، ولا عن حجم المأساة والويلات التي أنهكته وحطّمته جرّاء أدواء شعوره بالخصاصة والعجز التّامّ عن إطفاء ولو بعض شموع عمره الأخيرة، في شيخوخة مريحة وأجواء عادية مليحة، محاطا بالأحبّة والمعجبين وربّما كبار المسؤولين..

كما هو الشّأن بالنّسبة لجميع كبار المبدعين في العوالم المتحضّرة التي لا تنسى أحدا ممّن ساهموا في كتابة تاريخها وتفنّنوا في إسعاد مواطنيها….
كرّموه ذات مرّة قبل الثّورة بقليل في “حُفَيْلٍ” عاديّ بسيط صغير غنّى له فيه بعض الزّملاء والزّميلات بعضا من أغانيه ، وختمه أحد المسؤولين آنذاك بإلقاء خطاب مصبغ بتلك العبارات الممجوجة التقليدية التي تُلقى عادة في حفلات التّأبين، والرّجل لا يزال حيّا يرتجف والدّموع تنساب من عينيه ، لست أدري ، فرحا أو ألما أو رغبة في ترك المكان بمن فيه والعودة فورا إلى بيته المتواضع الضّيق المعزول التّعيس؟!
في آخر أيامه ، وبعد أن أخذ البرد القارس والحرّ الخانق وطرهما منه دون هوادة ولا رحمة ، و تداولا على إنهاك جسمه الهشّ الضّعيف ومزيد إثبات شعوره بالإحباط والألم العميق…..في أواخر أيامه ، إذًا ، إستفاق ضمير الدّولة ، فمكّنوه من جراية أخجل من ذكر قيمتها، لو كنت مكانه لرفضتها ، قطعا ، و تبرّعت بها لِسَقْوِ أزهار “بركونة ” مدير ديوان السيّد الوزير آنذاك…..
على كلّ.. مات العزيز المطرب المبدع الرّائع الكبير ، تاركا لنا أجمل وأشهر وأعذب الأغاني التي يتمعّش منها ، اليوم ، فئة من “النّجيمات” و “النّجوم” المولعين بالإرتزاق من عرق وجُهْد وفكر السّابقين وحتّى اللّاحقين ، معلّلين ذلك بأنّهم من مُحْيي التّراث ومهذّبيه وكأنّ التّراث إنبثق من العدم ومبدعيه أشباح لا وجود ولا شكل ولا ذوق لها ولا تاريخ…
“حُكْ راسِك وُاغْرُفْ” من التّراث ومن خزينة أغاني الأموات والأحياء وكلّف بها أيّ “موزّع” يرجمها بوابل من الصّخب ويطليها
،حتّى تكاد تختنق، بطبقات متراكمة من أثقل مساحيق التّجميل الموسيقيّة “المضروبة” الجاذبة الجالبة، ثمّ ” خدِّم مخّك” و ربّما “أشياءً أخرى ” للظّهور في “منوّحة” تلفزيّة محنونة ” و تقديم إبداعك المهذَّب الجديد المنشول المغروف من قاع الخابية” … هكذا، بدون خجل ولا حرج
ولا حياء…..
رحمك اللّه يا ألطف وأعزّ النّاس…. نصيحتي إلى جميع زملائي وزميلاتي بأن يعوّلوا على الله ثمّ على أنفسهم ، ولا ينتظروا من أحد ، سلطة كان أو نقابة أو مُعجِب أو صديق أو حتّى قريب أن يعينهم على حمل أوزار آخر أمتار طريق رحلة العمر….لا تغترّوا بشبابكم و لا بتهليل معجبيكم و لا بتطمينات مسؤوليكم…
عوّلوا على الله وعلى “جيوبكم” وخذوا العبرة ممّن سبقوكم..
ضمّنوا حسن خواتمكم.
فذلك أهمّ وأنفع لكم من كلّ هتافات وتشكّرات و”طَبْطَبات” وجرايات الدنيا……

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى