جهات

السياحة الصحراوية بالجنوب التونسي: بين إكراهات الواقع..وآفاق المدى المنظور…

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ روعة تونس يلمسها السائح منذ أن تطأ ‏قدماه أرضها، ويزداد غوصه في ‏التمتع بذلك الجمال الطبيعي الذي ينسيه أنه جاء للسياحة والترفيه كل ما تقدّم إلى الداخل لأنه يعيش فعلا حالة الترفيه والطمأنينة والدفء الإنساني لما يلقاه من ‏حفاوة وترحاب كلما تقدم في أعماق البلاد.

ربوع شامخة

فعندما يصل إلى أقصى مدينة في الجنوب تطاوين،يقف مشدوها أمام ما يعيش ويرى ‏ويلمس..ففي هذه الربوع الشامخة تقوم شبكة من القصور ‏الصحراوية القديمة أنشأها في زمن مضى سكان تلك المناطق، وهم من البربر الذين يعرفون في التاريخ بالأمازيغ أو سكان الجبال.
هذه القصور شيّدت ‏بمواد أولية للبناء متوفرة في الجهة، ومنها الحجر والجير على وجه الخصوص، وأقيمت غرفها على طوابق من ‏الأرضي إلى الرابع بشكل معماري بديع يمنع التصادم بين النزول والطلوع على السلم الحجري ‏الخارجي لكل غرفة التي تتسم بالطول، وتوجد داخلها مقاسم تيسّر قضاء الحاجة سواء للنوم ‏أو الجلوس أو الطعام، في حين خصص بعضها لخزن المؤونة التي هي عادة لمدة سنة فأكثر…وبعضها ‏الآخر لخزن السلاح أو للحراسة الليلية، نظرا لما اتسم به التاريخ القديم من غزوات وما ‏اشتهر به البرابرة من لجوء إلى الجبال لتسهيل الدفاع عن أنفسهم.

لماذا لا تتحول إلى نزل سياحية؟

ولكن السؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: لمَ لا تتحوّل هذه القصور أو البعض منها إلى نزل سياحية من طراز فريد بعد أن لفها الإهمال والنسيان لعقود ‏عديدة، وهي نزل تشدّ السياح إليها لما توفره من متعة الفرجة والإقامة البديعة..
وهنا أقول: الجنوب التونسي ليس الصحراء فقط، إنه مناظر طبيعية متماوجة..حيث يبدو كلّ شيء متلاشيا أمام الضوء الذي يغشى العيون..إنّه ذلك المشهد الشبيه بسطح القمر حيث الوهاد والمسارب التي توصل المرء إلى رحلة خيالية مليئة بالمغامرات.

القرى البربرية

وفي هذه الربوع الجميلة يمكننا تخيل كثبان الرمل الضخمة لنشعر ببعض من روح الصحراء التونسية المتنوعة التضاريس والمعالم، فهناك القرى البربرية المشيدة على قمم الجبال والقصور الصحراوية ذات الطابع الفريد! والمنازل المنحوتة في الصخر تحت الأرض.
وبين كثبان الرمال بصحراء الجنوب التونسي، تجتهد قريحة مخرجي الإعلانات لإختيار الزوايا الأكثر قدرة على إبراز جمالية الصحراء ورونق الواحات وللتذكير أحيانا بأن الصحراء التونسية استضافت يوما تصوير جزء من فيلم حرب النجوم والذهب الأسود،ولكن تلك الكثبان المرتفعة تحجب عن الزائرين وجها آخر للجنوب التونسي الذي يسجل أدنى مستويات التنمية على الصعيد الوطني ! حيث ينتشر الفقر والعطش والغضب من حكومات متعاقبة-بعد الثورة-لم تحاول يوما إجلاء الحقيقة التي تحجبها الكثبان الرملية..

قطب سياحي واعد

وتعتبر ولاية تطاوين من أهم الأقطاب السياحية الواعدة لثراء مخزونها الأثري والتراثي وتنوع المناظر الصحراوية ( واحات-جبال- صحراء مترامية الأطراف – قصور صحراوية-قرى بربرية-معالم أثرية-مواقع جيولوجية-تحصينات عسكرية..) وهذا المخزون يمكن توظيفه لتنمية السياحة الصحراوية حيث تعتبر منطقتا رمادة وذهيبة المكان المناسب لتنمية السياحة الصحراوية،نظرا لما تتميزان به من محيط صحراوي رائع إلى جانب نمط عيش السكان المحليين..

ولكن ظلت السياحة الصحراوية في تونس رغم قدمها قطاعات مهمشا غير مستغل استغلالا جيدا، واقتصر دورها على أن تكون عجلة خامسة للسياحة الساحلية..! فمنذ سنين طويلة اعتبرت النزل في دوز وتوزر حلا لتخفيف العبء على السياحة الساحلية حين تكتظ النزل في الصيف، ولسنين طويلة كان السياح يأتون إلى دوز في فصل الصيف في درجة حرارة تصل إلى 45 درجة في الظل، يصلون مساء ويغادرون في الصباح الباكر..هذا التصور همش السياحة الصحراوية ولم يجعل منها قطاعا حيويا ينفع المنطقة من الناحية الإقتصادية، فالسائح يأتي متأخرا ويغادر باكرا فهو لا يقيم بالمنطقة وبالتالي فهو لا يستهلك ولا يشتري..!

على سبيل الخاتمة:

تعتبر السياحة الصحراوية مطلب اقتصادي واستراتيجي هام خاصة في الأونة الأخيرة لما تنفرد به من خصائص اقتصادية وطبيعية تجعلها قادرة على توفير الموارد المالية والاقتصادية ودفع عجلة نمو النشاط الإقتصادي المعاصر،حيث تساهم بشكل كبير في الحد من مشكلة البطالة وزيادة تحسين مستوى الناتج الوطني من جهة، وهي من المتطلبات الأساسية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية من جهة أخرى.حيث تسمح هذه الأخيرة بعرض مجموعة واسعة من الخيارات الإقتصادية والإجتماعية بمرور الزمن مما يبرز القطاع السياحي كلهم القطاعات التي يمكنها تلبية كل هذه الخيارات والمتطلبات وترقيتها بما يتناسب وسيرورة النشاط الإقتصادي والإجتماعي من جهة،والشروط التي تفرضها هذه التنمية من جهة أخرى.كما تعكس هذه الخيارات فوائد السياحة المتعددة التي تعود بالفائدة على الصالح العام ( المجتمع والإقتصاد ككل ) والصالح الخاص ( الفرد).

مؤشرات إيجابية

ختاما نشير إلى أن حسام بن عزوز،رئيس الجامعة المهنية المشتركة للسياحة،أكد أن الموسم السياحي الحالي يُبشر بنتائج إيجابية وواعدة،مشيرًا إلى أن تونس استقبلت في سنة 2024 نحو 10 ملايين سائح، مع توقعات بتجاوز 11 مليون سائح خلال سنة 2025،مدعومة بارتفاع العائدات وتحسن مؤشرات الحجوزات.وأكد أيضا على أهمية السوق الداخلية،معربًا عن أمله في أن تتجاوز مساهمتها 30% من إجمالي النشاط السياحي في المستقبل القريب.
ولنا عودة إلى هذا الموضوع عبر مقاربة مستفيضة.

محمد المحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى