صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: حين يُفهم الدين خطأ ويُوظف في غير مقاصده

amoh
كتب: الأمين الشابي

أحيانا كثيرة، وأنا أتابع ما يجري من حرب إبادة لإخوتنا الفلسطينيين، سواء كان ذلك في غزّة أو في كلّ نواحي فلسطين دون استثناء، ينتابني سؤال مركزي وحيد، مفاده لماذا وصل الأمر بالصهاينة إلى التفوق علميا وطوعوا العلوم في صناعة حربية لحماية أنفسهم، وإن كانوا هم الظالمين والمعتدين وهذا أيضا ينطبق على الغرب عموما؟

ولماذا، من ناحية أخرى، عجز العرب والمسلمون على تطويع العلم عموما خدمة لمصالحهم إلى أن بقينا نعتمد عن الغرب عموما حتى في أبسط الأشياء؟

بعض مواقف رجال الدين من العلوم عبر التاريخ:

حتى لا نخوض في تفاصيل كثيرة حول موقف رجال الدين عموما من العلوم، يكفي أن نقدم وقائع تاريخية تعكس موقف رجال الدين من العلوم عموما ومواقف العلماء من رجال الدين، لنفهم القطيعة التي كانت بينهما، وربما لازالت، رغم أنّ ديننا الحنيف شجع على العلم والعلوم والتعلم والقراءة وتضمن الكثير من الحقائق العلمية التي تمّ اثباتها تباعا. و هذه بعض المواقف التاريخية كالآتي:

*رجال الدين أحرقوا كلّ كتب ابن رشد ولقّبوا ابن سينا بإمام الملحدين وشيخهم.
* الرازي أعلن كفره بكل مذاهب شيوخ الدين وكان يسخر منهم في مجالسه.
* التوحيدي أحرق كتبه بنفسه بسبب القهر واليأس من رجال دين عصره، وأنّ المعرّي فرض السجن على نفسه لنفس الأسباب.
* أخوان الصفاء، كانوا لا يذكرون أسماءهم بسبب الخوف من إهدار رجال الدين لدمائهم.
* خيرة رجال الدين، وفي مقدمتهم الإمام الشافعي، كانوا يعتبرون علوم الطبيعة والكيمياء والفلسفة من المحرمات، مثلها مثل التنجيم والضّرب بالرّمل والسّحر.
* الإمام الغزالي والذّهبي وابن القيّم وابن الجوزي وابن تميمة، وهم من كبار رجال الدين، أفتوا بتكفير وهدر دم كلّ من يمتهن أنواع العلوم العقلية التي قد تتسبّب في كفر المسلمين وابعادهم عن دينهم الخنيف.
* الغزالي، الذي كفّر الفلاسفة، تمّ تكفيره هو الآخر في عهود متأخرة.
* الطّبري، مات كمدا وقهرا، بعد أن رجم الحنابلة منزله بالحجارة إلى درجة أن باب منزله لم يعد يفتح بسبب أكوام الحجارة المتراكمة عليه حيث اتّهموه بالكفر والإلحاد بسبب اختلافه مع مذهب الإمام ابن حنبل.

منجزات رجال الدين المنغلقين في حق العلماء والفلاسفة

النتيجة لهذه المواقف من العلوم ولكلّ من أعمل العقل عموما كانت القتل والصلب والنفي والتعذيب عبر التاريخ. ومن منجزات رجال الدين المنغلقين، أن قتل الطبري وابن حيّان وصلب الحلاج وتمّ حبس المعرّي وهو الضرير وتمّ قطع أوصال ابن المقفع ثم شويت أمامه واضطروه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه وتمّ تعليق رأس بن نصر بعد أن داروا به في الأزقة وطاردوا ابن الفارض في كلّ مكان، والحقيقة القائمة طويلة من هذه “الإنجازات” التّي حقّقها أصحابها باسم الدين وكأنّهم نصبوا أنفسهم أوصياء على خلق الله وناطقين باسمه وأرباب القول والفصل.
ومثل هذه الوقائع التاريخية لفهم الدّين بالخطأ، توضّح جليّا وأنّنا انزلقنا في متاهات كبيرة – منذ البداية – لفهمنا الخاطئ لمقاصد الدين الحنيف الذي لم يهمل العلم و العلوم و الأخذ بأسباب لقيمة هذا الجانب في حياة البشرية جمعاء، بقطع النّظر عن دياناتهم و لون بشرتهم و موقعهم الجغرافي.
ولكن وللأسف الشديد ونتيجة لانغلاق من سبقونا، ها نحن ندفع نتيجة هذا الانغلاق وضريبته عبر تأخرنا وعدم قدرتنا على الأخذ بأسباب العلم والعلوم، في حين أخذ الغرب ” الكافر” بالعلم والعلوم وطوره لصالح شعوبه ودوله والدفاع عن مصالحه وقرأ، ديننا الحنيف، قراءة صحيحة أوصلته إلى ما وصل إليه.
وعليه لا تسألوا لماذا “حارة صهاينة” تحدوا أكثر من مليار مسلم في العالم وعجزت أمامهم 22 دولة عربية رغم كلّ ما تملكه من مقدرات نفطية وترسانات حربية وأراضي فلاحية وموقع جغرافي ممتاز، وفشلت كلّ مساعيهم بل وكانت كل هذه الدول مجمّعة غير قادرة حتّى على تقديم جرعة ماء وقطعة كسرى وحبّة دواء لإخوتنا في فلسطين؟
هل فهمنا الآن الضريبة التي ندفعها لفهمنا الخاطئ للدين؟ ولكن الخطير أيضا أنّه مازال يوجد بيننا من يكرّس ديننا الحنيف ويستعمله لتحقيق غايات بعيدة كل البعد عن تعاليم وأهداف ومقاصد ديننا الحنيف.

كلمة الختام:

هذا ما أراه، حسب اعتقادي – و يمكن أن يتضمن رأيي بعض الخطأ أو بعض الصواب أيضا – و لكم حرية التعليق حتى نستفيد منكم و نوسع الحوار فيما ينفع النّاس، بعيدا عن الحوارات العقيمة والتجريح والسقوط في المناكفات، التي لا تنفع و لا تجدي من نفع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى