صالون الصريح

الأمين الشابي يكتب: الرئاسيات بين المدّ والجزر في غياب الفصل بين الهزل والجدّ؟

chebbi
كتب: الأمين الشابي

بدون الرجوع إلى الوراء من حيث الأسباب، التي أضحت معروفة لدى القاصي والداني، تجميد البرلمان وما تبعها من إجراءات استثنائية. فإنّ ما يهمّنا اليوم هو الجدل القائم حول الانتخابات الرئاسية التي أضحت بين مطرقة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وسندان المحكمة الإدارية…

وأيضا بين مدّ، من يصطفون وراء قيس سعيد، بصفه مرشحا لهذه الانتخابات، وجزر، من يصطف وراء بقية المترشحين، وخاصة منهم من تمّ اقصاءهم من خوض غمار هذه الانتخابات؟
والسؤال من الجهتين من منهما على صواب (الهيئة أم المحكمة)؟ وهل يكفي هذا الأخذ والرّد لمعالجة قضية مصيرية تخص الوطن قبل الأشخاص؟ وهل القوانين على جمودها أحيانا لابدّ من تطبيقها بدون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن العليا؟ خاصة وقد مرّت البلاد بعشرية “سوداء” بعد التلاعب ببعض القوانين؟

مصلحة الوطن أوّلا وأخيرا

رغم الجدل، والأخذ والرّد القائم في المجال السياسي بمناسبة محطة الانتخابات الرئاسية، بين من يعارض اقصاء بعض المترشحين و “اتهام” الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعدم تطبيق قرارات المحكمة الإدارية، وهي التّي أقرّت إمكانية مواصلة ثلاثة من المترشحين السباق في الرئاسية، فإنّنا مع تطبيق قرارات المحكمة الإدارية في المطلق باعتبارها مؤسسة دستورية، ولها دور مهم في مجال القضاء الإداري وأيضا لها صولات وجولات في حياة البلاد عموما…

ولكن، ودعنا نقولها صراحة، من أجل مصلحة الوطن لا غير، وهذا لا ينتقص من قيمة قضاتنا الإداريين – الذين أجلّهم شخصيا – فإنّ المتأمّل في تركيبة الهيئة التي نظرت في الزامية التحاق من تمّ اقصائهم من المترشحين في مواصلة السباق نحو الرئاسية، للبعض منهم تضارب مصالح كما ذهب البعض إلى ذلك.
وهذا لا يعني الشك في نزاهة هؤلاء ولكن المفروض أن تكون التركيبة لا تشوبها أي شائبة خاصة من هذه الزاوية التي تمت الإشارة إليها. وهذا ربما ما فهمته جيّدا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وذهبت في اتجاه أنّ القانون على الرأس والعين ولكن تبقى مصلحة الوطن ومستقبل الشعب أهم وأرفع من التلاعب وتوظيف القانون لأغراض سياسوية بحتة؟
من هنا على الجميع، وخاصة من يقفزون هنا وهنالك للقدح في مصداقية هيئة الانتخابات أن يترفعوا، عن بعض الأنانية الحزبية أو السياسية الضيقة أو حتى الشخصية، ويجعلوا أولى الأولويات، هي مصلحة الوطن، حتى لا تعود البلاد إلى تلك المرحلة السوداء التي عاشتها خلال عشرية ما بعد “الثورة”.
فالوطن ليس ترسانة قوانين جامدة وخرساء بل أيضا إعمال للعقل وتبصر وبعد نظر؟ بالرغم وأنّ البعض يذهب إلى تسطيح الأمور خدمة لتحقيق أهداف معينة واتهامهم بعدم تطبيق قرارات المحكمة الإدارية؟ بل يستغل موقف المحكمة الإدارية ويوظفه كما ينبغي من أجل إظهار وأنّ السلطة لا تطبق القانون؟
فإنّ الواجب يفرض على الجميع وخاصة لمن رشحوا أنفسهم للسباق الانتخابي من أجل خدمة البلاد والعباد. وعليه، لا بدّ من الرفعة والتبصر والنقاء الذهني لمن يرنو إلى الترشح لمثل هذه المناصب العليا لتسيير دفة الحكم؟

تبعات غياب المحكمة الدستورية

لابدّ من التذكير بداية وأنّ دستور 2014 قد نصّ على وجوبية إرساء المحكمة الدستورية خلال سنة من الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 26 أكتوبر 2014 ولكن هذه المحكمة لم تر النّور لـ تجاذبات سياسية؟ وليأتي الدستور الجديد لسنة 2022 ليؤكد كذلك على إرساء هذه المحكمة الدستورية.
حيث بين في فصله عدد 125 على تركيبتها. بل وحدد الفصل 127 من الدستور مهامها ومنها ” مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب رئيس الجمهورية أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم”

والسؤال الذي أصبح ملحا وهاما في مثل هذا الظرف الذي تعيشه البلاد في هذه المحطة الانتخابية الهامة يقول، لو تمّ إرساء المحكمة الدستورية هل كنّا نتفادى كلّ هذا الجدل حول السباق إلى الانتخابات الرئاسية؟ وأيضا هل بات من الضروري والملح تشكيلها الآن؟ والسؤال الأهم لماذا لم يبادر مجلس النواب السابق لاقتراح هذه المحكمة؟ ولماذا لم يبادر رئيس الجمهورية أو المجلس الحالي للنواب بعد من تقديم مشروع قانون لإرساء هذه المحكمة الدستورية؟

نقّدر دوركم ولكن هل من مزيد؟

مع تقديرنا الكبير لكل الخبراء والمختصين في ميدان القانون الدستوري الذين أدلوا بدلوهم في هكذا مناسبة حيث أجمع جلهم على أنّ وجود المحكمة الدستورية يعتبر ضامنا لعدم وجود تجاوزات ولا يمكن تصور أي نظام ديمقراطي في غياب المحكمة الدستورية.
وبالتالي فإن هذه المحكمة هي الحلقة الهامة المفقودة في الحياة السياسية. وعليه لابدّ من الإسراع في ارسائها حتى تجنب بلادنا بعض ارتدادات غياب هذه المحكمة، واعتقد جازما وأنّ وجودها من عدمه مرتبط بالإرادة السياسية لا غير، بالرغم من أنّ الصندوق هو الفيصل في كلّ محطة انتخابية وكلمة الشعب هي الكلمة الأخيرة في مثل هذه المناسبات؟
ورغم ذلك، نطلب وبكل لطف من المختصين في المجال الدستور من خبراء وجامعين من إيلاء هذا الموضوع الدور الذي يستحقّه كتابة ومساهمة وإبداء الرأي حتى تكتمل هذه المؤسسة الدستورية الهامة وترى النّور…

كلمة الختام

جميل أن تعيش بلادنا كلّ هذا المخاض والكل يدلي بدلوه، إنارة وتوضيحا وتدقيقا، في مجال هام من شأنه أن تبني الأمم على أسس حضارية قوامها المؤسسات الدستورية. ولكن أجمل منه أنّ نحافظ على استقرار بلادنا مهما كان “الخصام” إداريا أو دستوريا أو سياسيا، فالوطن باق ونحن راحلون في يوم ما …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى