صالون الصريح

أحمد القديدي يكتب: كيف استشرفت المخابرات الأمريكية ملامح عالم اليوم منذ 20 عاما؟ (جزء 2/1)

د. أحمد القديدي

صدر سنة 2005 في لغات أوروبا أخطر كتاب يحمل عنوان: توقعات مركزية المخابرات الأمريكية للعالم سنة 2025 وهو تقرير صادر عن المجلس القومي للمخابرات (ناشونال أنتليجنس كنسل) الذي يعتبر العقل المفكر والمخطط والمستشرف للمستقبل التابع للمركزية والمستشار الموثوق للإدارة الأمريكية والمتعامل المرن مع الرئيس الأمريكي والكونغرس على السواء…

ولا تظنوا أن التوقعات من انتاج رجال أمن أو مشعوذين بل إن الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية CIA توظف أساتذة جامعات و مفكرين ومنظرين و دبلوماسيين و سبق أن عمل معهم صامويل هانتنغتون  وفرانسيس فوكوياما  وبرنار لويس أي ‘زبدة الزبدة’ من مشاهير المستشرفين الأمريكان.

وفي باريس صدر الكتاب لكن بمقدمة مطولة كتبها المنظر المعروف الكاتب المتحيز لإسرائيل وهو من أصل يهودي (ألكسندر أدلر) والذي لا ننكر خبرته الطويلة في الشأن السياسي الدولي لكن لا نشاطره حماسه ضد العالم العربي والأمة الإسلامية.
وجاءت المقدمة للكتاب الذي أصدرته مؤسسة (روبير لافون) الباريسية في شكل موجز للتقرير الذي يتشكل من 260 صفحة ولكن في الحقيقة تأخذ المقدمة محتوى إيديولوجيا معاديا بكل المقاييس لحقوق الأمة الإسلامية بلا أمانة علمية ولا تاريخية، كأنما كُلف (ألكسندر أدلر) بمهمة تأليب الرأي العام الدولي ضد القضايا العربية العادلة وتغليب مصالح إسرائيل وحدها على العالمين…
وذلك كله بتلاعب ذكي و خفي بالمعلومات و توجيهها لخدمة عقيدته وتدليس التاريخ حتى القريب منه بالأكاذيب المضللة والخرافات العنصرية و البراهين المشبوهة. ونحن انتظرنا حلول عام 2023 لنستعرض التقرير ونلمس مدى اعتماد خبراء المخابرات الأمريكية على المعلومة وتوظيفها لفهم الحاضر واستشراف المستقبل…

أزمة في قلب أوروبا

إن تنبؤ الكتاب بأزمة قادمة في قلب أوروبا بسبب وضعية دول ما كان يُعرف بالاتحاد السوفييتي سابقا كان تنبؤا حكيما حتى لو لم يذكر أوكرانيا بالإسم! ثم تنبأ كذلك بأزمة خطيرة في بحر الصين بسبب إصرار الصين الشعبية على إعادة جزيرة تايوان الى حضن الأم الكبرى. وهذه الاستشرافات تحققت ونعيش اليوم عام 2023 زلازلها المنذرة بالأخطار!
لخص التقرير أيضا أبرز ملامح العالم على أعتاب سنة 2020 كما يراها هو مؤكدا أن العولمة تصبح حقيقة ملموسة ومؤثرة على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية ولا رجوع عن مكاسبها، لكن العالم سيكون أقل تمحورا حول الغرب وقيمه ومصالحه..

اتساع مجالات التجارة

يتعولم الاقتصاد العالمي بفضل اتساع مجالات التجارة الإقليمية والدولية. ستشمل التكنولوجيات المتقدمة كل المؤسسات والشركات الكبرى والمتوسطة وتتوارى تقريبا كل الوسائل التقليدية للاتصال مثل البريد والهاتف الأرضي وستلعب الأقمار الاصطناعية دورا أكبر في انجاز أهداف العولمة،
سنعيش أيضا صعود القارة الآسيوية إلى مرتبة الشريك الأول للولايات المتحدة قبل الاتحاد الأوروبي ذلك بفضل التحاق كل من الصين والهند وقريبا اندونيسيا و تركيا و ماليزيا بالدول الصناعية الكبرى، كما أن تأثير تقلص الولادات على بلدان عريقة في الاتحاد الأوروبي وروسيا ستغير من تركيبات المجتمعات حيث تصاب شعوبها بالشيخوخة المبكرة وتفقد عناصر الحيوية والشباب..
بل ستطالب ألمانيا بدخول المهاجرين من الأدمغة والأيدي العاملة من بلدان افريقيا واسيا و الشرق الأوسط، ستبقى مصادر الطاقة كافية وملبية لحاجيات التنمية والصناعات في العالم حتى في صورة اكتشاف طاقات بديلة ومتجددة.

كما ستتطور شبكات المنظمات غير الحكومية بشكل يضعها في مصاف اللاعبين الأساسيين في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في كل أرجاء العالم، ويتوقع التقرير تحول الإسلام السياسي الى قوة فاعلة ويتنامى نفوذ الإسلاميين المعتدلين بعد حل أغلب الأزمات الدولية الراهنة. وستحصل دول أخرى على أسلحة الدمار الشامل لكن استعمالها سيكون أكثر صعوبة بالنظر إلى الضوابط والالتزامات الدولية الجديدة. سيمتد هلال من الأزمات العرقية والدينية ليضم شعوبا من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا وربما اندلعت حروب إقليمية محدودة الانتشار بين مكونات عرقية ودينية في دول من هذه القارات وبخاصة الهند والصين وبورما. مع احتمال أن تتورط دول عظمى في هذه الحروب.

مسائل البيئة

سوف ترقى المسائل المتعلقة بحماية البيئة وعودة القيم الأخلاقية إلى مصاف الشؤون الخطيرة التي تقرر العلاقات الدولية مع تزايد الوعي بإنسانية الإنسان وحقوقه وحاجياته البيئية والروحية.
كما ستحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على تفوقها وستظل هي القوة العظمى الأولى في العالم على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية.
نجح الخبراء في رسم لوحة الملامح الكبرى للعالم والعلاقات الدولية لكننا في الجزء الثاني والأخير من هذا المقال سوف نكشف أخطاءهم الساطعة وأكبرها عدم توقع الربيع العربي انطلاقا من تونس الى بلدان عربية وإسلامية عديدة!

ولنا لقاء في الجزء الثاني من المقال…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى