جهات

هنا جرجيس: حين تتهودج الطريق الرومانية في ثوب بهيج..

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب، إذا قلت أن الطريق الرومانية ججربة-جرجيس ورغم غياب علامات واضحة تبرز قصة إنشائها وتقدمها كمعلم أثري يستحق الزيارة والتوقف للتأمل-وهو دور لا بدّ للمعهد الوطني للتراث أن ينهض به فورًا-

فإنها اليوم ومع مراكمة الزمن والحقب أصبحت شاهدة على جزء كبير من تاريخ تونس يمتد لقرون طويلة..فقد أصبحت أيضًا شريانًا أساسيًا تربط مكانين بأقصى الجنوب التونسي في اتجاه الشرق.لكن حلم الأهالي هنا مازال متواصلًا بأن تتحول الطريق إلى مسار سيّار من دون المساس بقيمتها التاريخية أو إحداث قنطرة تكون جاذبة لمزيد السياح والزوار على غرار ما نشاهد من جسور مدهشة في العديد من المناطق في العالم..

القنطرة المدهشة

وهذه” القنطرة” ( الطريق الرومانية جربة-جرجيس ) المدهشة حقا والتي تترجم عبقرية الإنسان وقدرته على الخلق والإبتكار،وتعكس عبقرية الهندسة الرومانية نراها اليوم تتهودج في ثوب جديد يبعث على الإعجاب،بعد أن بلغت نسبة تقدم أشغالها ( مضاعفة الطريق الرومانية مدخل جزيرة جربة بولاية مدنين)، نسبة 72 بالمائة،متجاوزة بعض التعطيلات المتعلقة بتوفير المقاطع،على أن يسلم المشروع بالاتفاق مع المقاول موفى سنة 2025، وفق تأكيد،نبيل الوحيشي،المدير الجهوي للتجهيز بمدنين، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.وتعرف الطريق الجهوية 117 تاريخيا بـ “الطريق الرومانية” وتسمى أيضا ب “القنطرة” ،وهي عبارة عن مسلك يشق البحر بشكل يربط بين قطبين سياحيين، جرجيس وجزيرة جربة،بأقصى الجنوب الشرقي التونسي.

شريان حيوي

وتتجاوز الطريق الرومانية دورها كممر بري لعبور السيارات والشاحنات إلى شريان حيوي يمزج بين النشاط الاقتصادي والسياحي والثقافي والرياضي محافظا على هذا التنوع الذي عرفه منذ القدم.
ويتضمن هذا المشروع الواعد -مضاعفة الطريق الجهوية رقم 117 على طول 6,3كم، انجاز طريق في اتجاهين عرض كل اتجاه 7 أمتار للدخول الى جزيرة جربة واتجاهين للخروج منها ويتوسطهما تنوير عمومي على طول الطريق، بالإضافة إلى مضاعفة الجسر الحالي على مستوى النقطة الكيلومترية 24,8 على طول 160م إلى جانب تغليف الطريق بالخرسانة الاسفلتية وتشوير افقي وعمودي وتجهيزات سلامة، بكلفة جملية قدرت بـ 48 مليون دينار.
يذكر أن خلال فترة الاستقلال،تدخلت الدولة التونسية الفتية سنة 1959 بأعمال صيانة للطريق الرومانية جربة جرجيس من ولاية مدنين،وذلك بسفلتته والقيام بمراجعات هيكلية للقنطرة التي أنشأها محمد الأمين باي،ومدّ قنوات المياه الصالحة للشرب في اتجاه الجزيرة.وقد سارعت دولة الاستقلال لأعمال الصيانة تلك على الطريق العتيقة على اعتبار اختيارها للسياحة كرافد أساسي للتنمية الاقتصادية الشاملة وتمييز تلك المناطق لتحوّزها على مقومات المناطق السياحية العالمية.

أشغال توسعة

وفي السنوات الأخيرة،ومع بداية سنة 2012،انطلقت أشغال توسعة على الطريق تفاديا للزحمة المرورية التي باتت تعرفها الطريق في المواسم السياحية والمناسبات الدينية كحج اليهود إلى معبد الغريبة بجربة أو عودة مواطنينا بالخارج عبر مطار جربة جرجيس الدولي..وهذه الأشغال مازالت متواصلة إلى اليوم وقد شارفت-كما أشرنا-على نهايتها،حيث ستجعل للطريق صورة أخرى..أوضح وأجمل وأنفع لمصالح المواطنين بمدنين أو الوافدين بحثًا عن الترفيه والسياحة وراحة البال..
ختاما ننوه،بأن العرب المسلمين لم يغيروا تسمية “الطريق الرومانية” إلى اليوم اعترافًا وإذعانًا للتاريخ،لكنهم طوروا الطريق ففي سنة 835 هجرية أي بين 1431 و1432 ميلادية قام أبو فارس عبد العزيز المتوكل حاكم إفريقية في العهد الحفصي والذي يصفه المؤرخ “روبار برنشفيك” بآخر عظماء السلاطين الحفصيين وبأنه كان محترمًا في الداخل ومهابًا في الخارج،بأشغال كبرى على الطريق التاريخية بعد أن فعل فيها الزمن وأسقطت الأمواج جزءًا منها فأغرقتها..وقد أدرج المؤرخون تدخل عبد العزيز المتوكل ضمن سياسته المتمثلة في ربط شمال مملكته بجنوبها وتوفير الاستقرار الاجتماعي

متابعة: محمد المحسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى