هادي دانيال يكتب: حان وَقتُ استعادة العَرَب مِلفّات حقوقهم من قبضة العَبَثِ الغَرْبيّ، فَهَل يفعلون؟
كتب: هادي دانيال
لم يعد خافياً على أيّ مُتابعٍ موضوعيّ أنّ الدُّوَل الغربيّة الأوروبيّة والأمريكيّة تَرْمِي بكلّ ثِفَلِها في منطقتنا العربيّة للتدخُّلِ في الشؤونِ الداخليّة لدُوَلِنا كي تُراكِم الأزمات فيها مِن جِهَة ولِتَوجيه سياساتها الخارجيّة إلى خدمةِ مصالحِ الغَرْبِ مِن جهة أخرى.
حالة اضطراب
ذلكَ أنّ إبقاءَ دُوَلنا في حالة اضطراب وعدَم استقرار يُسَهِّلُ على الغَرْبِ ليسَ فقط التَّحَكُّم بمصائر شُعوبنا وَدُوَلِنا وَنَهْبِ ثرواتنا تحت أرضنا وفوقها، بل أيضاً إبقاء دُوَلنا وثرواتنا أوراقاً رابحة في أيدي الغرب يستخدمها في صراعاته الدوليّة ضدّ قوى دوليّة مضادة له تسعى إلى تغيير المشهد السياسي الدولي مِن أُحاديّ القُطب (الأمريكي بدون مُنازِع) إلى مشهد متعدّد الأقطاب.
القطب الواحد؟
وقد بات معلوماً أنّ سياسة القطب الواحد دوليّاً تقوم على إخضاع دُوَل وشعوب العالم لهيمنة إرادة الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في استهتارٍ واضح ووقِح بالقانون والشرعيّة الدّوليّين وبميثاق منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي إخضاع حكومات العالم لإرادة الإدارات الأمريكية، جمهورية كانت أو ديمقراطيّة، على حساب الدولة الوطنيّة عبر العالم التي باتت هَدَفاً مُعْلَناً للسياسة الأمريكيّة منذ باشرت الأخيرة سعيَها إلى فرض سياسات الليبرالية العالميّة (العَوْلَميّة) تحت شعارات لا تعنيها بل تَعني عكسها تماماً(كتصدير الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب) بغية ضَرْب الدولة الوطنية في كلّ المعمورة وتجريد شعوبها من حقوقها المشروعة في فرْض السيادة على التراب الوطني وما يكتنزه من ثروات تُسيل لُعابَ الإمبريالية الغربيّة التي تعدّ أيَّ دولة تتمسك بهذه الحقوق “دولةً مارقة” فتتمّ معاقبتُها بأقسى أنواع الحصار التي شهدها تاريخُ البشرية، قديمه وحديثه إلى حدّ الإفقار المدقِع والتجويع المُميت..
ولاحقاً بالتدخُّل الخارجيّ العنيف الأمنيّ والعسكريّ أو بتدبير الانقلابات العسكرية في مشاهد مسرحيّة مفبركة لـ”ثورات شعبيّة ربيعيّة ” مزعومة، يتمّ من جرّائها تدمير مؤسسات الدولة الوطنيّة وإطلاق الحروب الإرهابية التكفيرية بتسعير الفتن وإضرام الأحقاد العرْقيّة والدينيّة والطائفيّة والجّهويّة بين مكوّنات الدّولة الوطنيّة.
وضع كارثي
ولتأبيد هذا الوضع الكارثيّ في منطقتنا العربيّة وإبادة قواها الحيّة الوطنيّة وجماهيرها تدريجيّاً بغية إجراء تغييرات ديمغرافيّة تزيد في عمر الفوضى وعدم الاستقرار إلى أجَلٍ تُسمّيه مخططات الغرْب ومصالحه لا غيْر، تحرص واشنطن وأتباعُها مِن عواصم الغرْب الأوربّي ليس فقط على إقامة “كيان صهيوني” آخَر على أرض أوكرانيا، بل وأيضاً تقوية مخالب الكيان الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين المحتلّة (الذي هو مشروع غربي في الأساس ليكون شرطيَّ المنطقة في سياق جعل بريطانيا وبعدها الولايات المتحدة الأمريكيّة شرطيَّ العالًم) ليُمْعِنَ في الجسَد العربيّ المريض تمزيقاً إلى أن تصبح أمراضُهُ خبيثةً مُستعصيَة على أيّ علاج الآن ومُسْتَقبَلاً، وتغدو أشلاؤه مُتَعفِّنَة وفي عَجَلَةٍ مِن أمْرِها إلى العَدَم.
مِلَفّ الحقّ الفلسطيني
ولذلك فإنّ كُلَّ يوم يمرّ على بقاء مِلَفّ الحقّ الفلسطيني في قبضة الولايات المتحدة الأمريكيّة التي ما فتئت عن سَبْقِ إصرار وتقصُّد تؤجِّل حلّه إلى الأبَد، يجعل تضحيات الشعب الفلسطيني العظيمة ومعاناته الأليمة على مدى قرابة القرْن مِن الزمن ضَرْباً مِن “مُراكمة الأصفار التي حصيلتها المحتومة لا تزيد عن صفْرٍ عَدَميّ”، مِمّا يستدعي القوى الوطنية الفلسطينيّة الحيّة إلى أن تكون فاعلة فتناضل بقوّة ومثابرة ونجاعة من أجْل نقْلِ هذا المِلَفّ إلى القوى الحريصة على تطبيق القانون والشرعيّة الدوليين وبالتالي إلى تطبيق القرارات الدولية ذات العلاقة بالحقّ الفلسطيني منذ عقود ، ليس على سبيل تلزيم قضيّتنا المركزيّة قوى دوليّة مناهضة للغرب والاسترخاء على الربوة بانتظار نتائج صراعات القوى الإقليميّة والدوليّة بل على سبيل استثمار الفرَص وعدَم إضاعتها للتقدّم خطىً واسعة على طريق استرجاع حقوقنا المشروعة، ذلك أنّه على القوى الوطنية الفلسطينية والعربية أن تُدْرِكَ بِعُمْق أنّ سياسات الغرْب وفي مقدمتها السياسة الخارجيّة الأمريكيّة التي تستهدف الدولة الوطنيّة عبْرَ العالَم وفي منطقتنا العربيّة بخاصّة، لا يُمكِن أن تسمح إلّا مُرْغَمَةً بإقامة دولة وطنية فلسطينية ،على الرغم من تشدّقها الديماغوجي التضليلي التصبيري، على سبيل الجعجعة بلا طَحْن، بأنها توافق على “حلّ الدولتين” في فلسطين المحتلة.
الأزمة الليبية
والأمر نفسه ينسحب على بقيّة أزمات المنطقة، وبخاصة الأزمة الليبية التي تحرص الولايات المتحدة بعنجهيّتِها المعهودة ليس فقط على عَدَم تَرْك الليبيين يحلّون أزمتهم فيما بينهم تحت سَقْفٍ وطنيّ بل وأيضاً تحرص باستماتة على إبعاد القوى الدولية الكبرى المتمسّكة بالقانون والشرعيّة الدوليين، كالصين وروسيا، وإقصائها نهائيّاً عن المشاركة (ولو إلى جانب بقيّة أعضاء مجلس الأمن الدولي) في إيجاد الحلول السلميّة لهذه الأزمة التي تستفحل يوماً بعد يوم على حساب مصالح الشعب الليبي وأمنه وحقه في الحياة والاستمتاع بعيش كريم في دولة حرّة مستقلة ذات سيادة والتصرّف بثروات بلاده واختيار نظامه السياسي بما يخدم حقوقه ومصالحه الوطنيّة.
القبضة الاستعمارية
وبالتالي فإنّ الأطرافَ الليبية (الوطنيّة تحديداً) مُطالَبَة هي الأخرى بأن تتجه شَرْقاً ليس للاصطفاف في محوَرٍ مُعَيَّن بل لإخراج ليبيا مِن أسْر الغَرْب، واستثمار معطيات راهن السياسة الدولية الساخنة، للكفّ عن استخدامها ورقةً في القبضة الغربيّة الاستعمارية متعدّدة الأصابع على طاولة المغامرات والمقامرات الإقليميّة والدولية، فيستعيد الليبيون ليبيا الواحدة أرضا وشعباً ويعيدون بناءها وطنا عزيزا له دوره السياسي والاقتصادي والثقافي الإيجابي الفاعل عربيّاً وأفريقيا ودوليا.