نوفل سلامة يكتب/ على خلفية تصريح وزيرة التربية…كيف نفهم تواصل محاولات الغش في الامتحانات؟

كتب: نوفل سلامة
قالت وزيرة التربية سلوى العباسي خلال ندوة صحفية انعقدت يوم الثلاثاء 25 جوان 2024 خُصصت لتقديم النتائج النهائية لدورة الباكالوريا لهذه السنة أن حالات الغشّ التي تم رصدها خلال هذه الدورة قد بلغت 821 حالة منها 634 حالة تم إحباطها قبل وصول أوراق الامتحانات إلى مراكز الإصلاح، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعدد المترشحين الذي يفوق 140 ألفا…
ما علاقة التهريب؟
وفي نفس السياق اعتبرت أن كل الجهات قد تورطت في الغش لكن بنسب متفاوتة وأنها لن تتراجع عما قالته منذ فترة بخصوص انتشار ظاهرة الغش في المناطق الحدودية التي أرجعتها إلى انتشار ثقافة ‘الكونترا’ بما يعني وجود ارتباط وثيق بين ظاهرة الغش في الامتحانات وحالة التهريب التي عليها المناطق الحدودية… مضيفة بأن الجهات التي ابتعدت عن الغش هي جهات تحمل مواريث اجتماعية وقيميّة حصنّت امتحاناتها من الداخل ومن الأسرة، ومن الثقافة التي تحملها وفق تعبيرها…
أسلوب عيش؟
فهل صحيح أن انتشار ظاهرة الغش في المناطق الحدودية يعود إلى خصوصية الجهة بسبب اشتغال أفرادها في التجارة الموازية ما يدفعهم إلى استعمال أساليب وطرق ملتوية؟ وهل صحيح أن تنامي الظاهرة في المناطق الداخلية وراءها دوافع اقتصادية حيث أصبحت الكونترا أسلوب عيش في هذه الجهات؟ وهل هناك علاقة ورابط بين خصوصية هذه المناطق المعروفة بالتهريب وحالات الغش في الباكالوريا؟ وكيف يمكن أن نبرر علميا اشتهار جهات بـ نمط عيش معين بانتشار ظواهر عامة تعرفها كل الجهات في كل المجتمعات؟
قدمت عدة تفسيرات لانتشار ظاهرة الغش في صفوف التلاميذ وخاصة تلاميذ الباكالوريا نذكر منها الخوف من تحمل مسؤولية تحديد المصير وتحديد المستقبل خاصة بالنسبة للتلاميذ المراهقين الذين لم يكتسبوا بعد ما يؤهلهم لاختيارات صائبة، فتلجأ هذه الفئة من التلاميذ لتجاوز عامل الخوف إلى الغش في الامتحانات هذا بالإضافة إلى الاعتقاد بأن المنظومة التربوية ليست عادلة وبالتالي يتحول الغش إلى وسيلة للاعتراض عليها وعدم الرضا على ما يُقدم لهم من مواد دراسية…
غياب الحلول
وهذا الموقف له علاقة بضعف التحصيل العلمي وغياب الفهم والإدراك وضعف الزاد المعرفي عند التلميذ كما يمكن إرجاع تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات إلى وجود خلل في السلوك، وفي الشخصية انتج عند التلميذ حالة من عدم القدرة على إثبات الذات وصعوبة القيام بالعمل دون مساعدة بما يعني أن هناك تلاميذ لا يمكن لهم أن يجتازوا أية امتحانات من دون مساعدة خارجية وفي غيابها يكون الحل هو الغش.
كما يرجع بعض المختصين تمدد مساحة الغش إلى غياب الوازع الأخلاقي أو ما يعبر عنه بـ ‘أخلقة السلوك’ و مدى حصول الوعي اللازم عند الطالب بأن الغش هو عمل مُدان أخلاقيا ومخالف للسلوك السوي، فكلما كان منسوب المنع الأخلاقي عاليا كلما نقصت محاولات الغش والعكس صحيح والمسألة الأخلاقية لها علاقة بظاهرة أخرى في صفوف جيل اليوم، وهي غياب القيم والمرجعيات في شخصية المتعلم والتلميذ نتيجة وجود أزمة أسّس وأزمة قيم ومعايير في حياتهم وغياب مفهوم الواجب الأخلاقي كواجب عقلي وواجب أخلاقي ديني، وغياب فكرة العمل الصالح في سلوك الأفراد عموما هي ما قد يفسر به تواصل اللجوء إلى الغش خلال الامتحانات..
فـ الغش حالة مجتمعية عامة ونحن يعيش وسط هذا المجتمع الذي تحكمه قيّم سلوكيات ومرجعيات هي التي تجعل من أطفالنا نتاجا لهذا المجتمع.
من العوامل المؤثرة الأخرى التكنولوجيا الحديثة التي سهلت كثيرا اللجوء إلى الغش في الامتحانات بعد أن تم استخدامها المكثف و بطرق غير اعتيادية لتسهيل الحياة حيث حل الذكاء الاصطناعي محل الجهد البشري، وانعكس هذا التطور التقني سلبا على نواحي الحياة المدرسية وأصبح جانب من التلاميذ يرون أن الجهد البشري يمكن تعويضه بالآلة ولسان حالهم يقول لماذا نتعب أنفسنا طالما أنه يمكن بالتكنولوجيا فعل كل شيء؟
ثقافة مجتمعية
كل التحاليل لا تتحدث عن أهمية البعد الديني في التقليل من هذه الظاهرة وأهمية حضور الإيمان واستحضار الخالق في التقليل من حالات الغش وارتفاعها يعكس صورة المجتمع وأفراده الذين لا يتوانون عن استعمال وسائل وطرق مختلفة للتحايل والتضليل وهذا السلوك السلبي ينم عن ثقافة تحكم المجتمع متساهلة مع الغش والكذب والخداع والسرقة.. وتعكس كلفة تحييد معنى الحلال والحرام وقيمة المُباح والممنوع مما ساهم في تواصل ظاهرة الغش بصفة غير مفهومة في مجتمع يدعي أفراده انتسابهم إلى الإسلام.. قال رسولنا الكريم ‘من غشنا فليس منا’..
هذه بعض الأسباب التي يمكن أن نفسر بها تمدد ظاهرة الغش في الامتحانات وارتفاع حالاتها في صفوف الجيل الحالي نحسب أنها أكثر معقولية وموضوعية لفهم الظاهرة من قول وزيرة التربية بأن الغش وراءه موروث ثقافي وخصوصية اجتماعية انتجت هذا السلوك.