نوفل سلامة يكتب/ بعد وفاة آخر المتّهمين: ماذا بقي من ملف الزعيم صالح بن يوسف؟

كتب: نوفل سلامة
لم تعد تفصلنا إلا أسابيع قليلة عن الذكرى الثالثة والستين عن حادثة اغتيال الزعيم المناضل صالح بن يوسف الذي تمت تصفيته كما هو معلوم يوم 12 أوت من سنة 1961 بنزل ’روايال’ بمدينة فرانكفورت بألمانيا على أيدي مجموعة يُشتبه في تكوينها من قبل النظام التونسي القائم آنذاك، وبعلم من الرئيس الحبيب بورقيبة وتحت إشرافه وفق ما أفادت تقارير العدالة الانتقالية…
وتضم كلا من حسن بن عبد العزيز الورداني أحد أبرز قادة المجاهدين ضد الاستعمار الفرنسي وكان مقرّبا من الرئيس بورقيبة والبشير زرق العيون ابن خالة صالح بن يوسف، وكان يشغل منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية وعبد الله بن مبروك الورداني ومحمد بن خليفة محرز المنفذان المباشران لعملية القتل باستعمال مسدس كاتم الصوت خرجت منه رصاصة أصابته على مستوى الرأس وحميدة بن تربوت ابن أخت زرق العيون..
هذه المجموعة التي يُشتبه في تنفيذها عملية الاغتيال وجهت إليها بعد الثورة تهمة القتل العمد والضلوع في عملية تصفية جسدية لـ خصم سياسي للرئيس بورقيبة وقتل أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية، وأحد الزعامات التي كانت مرشحة لرئاسة البلاد…
إعادة فتح الملف
هذا الملف أعيد فتحه من جديد وكان موضوع قضية رفعت من قبل هيئة الحقيقة والكرامة التي تولت إعادة النبش في الملفات المنسية، والتي تم التعتيم عليها لعقود انطلقت وقائعها في يوم 16 ماي 2019 واستغرقت قرابة 15 جلسة بالدائرة القضائية المختصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس انتهت بعد سلسلة من الجلسات إلى معطى مهم قد يحسم القضية نهائيا، وهو الإعلان عن وفاة المتهمين الستة في القضية وهم الراحل الحبيب بورقيبة الذي يُشتبه في ضلوعه في إعطاء الأوامر بتصفية صالح بن يوسف والمشاركين حسن بن عبد العزيز الورداني والبشير زرق العيون في حين لم يتم العثور و التعرف على مكان كل من عبد الله بن مبروك الورداني ومحمد بن خليفة محرز حيث لم يُعرف لهما إلى حد اليوم مكانا معلوما وعدّا في عداد المفقودين الموتى، وبوفاة آخر المتهمين وهو حميدة بن تربوت منذ عام تقريبا تكون كامل المجموعة المشتبه في ضلوعها في عملية الاغتيال قد فارقت الحياة مما يجعل مصير القضية هو الحفظ وتخلي المحكمة عن توجيه أية تهمة لأي فرد من الأفراد المشتبه بهم في القضية بناء على القاعدة القانونية التي تقول بأنه لا يمكن محاكمة من توفى ولا محاكمة لـ ميت.
الجديد بعد مرور أكثر من أربع سنوات على انطلاق محاكمة المشتبه بهم في عملية اغتيال صالح بن يوسف هو ما تم الكشف عنه لأول مرة عن شبهات تورط المخابرات الألمانية والبوليس السياسي في عملية الاغتيال التي تعرض لها الزعيم صالح بن يوسف حيث تحصل نجله لطفي بن يوسف على وثائق ألمانية تفيد تورط جهاز المخابرات الألمانية وقيامه بالتنسيق مع المخابرات التونسية في عملية الاغتيال من خلال تأمين عملية الدخول والخروج للعناصر التونسية المكلفة بالتنفيذ، ومراقبة مكان الجريمة ما يؤكد علم المخابرات الألمانية بقرار التصفية الجسدية وتعاونها مع الدولة التونسية في تنفيذ مخطط الاغتيال…
نهاية المسار القضائي
الجديد الآخر هو إمكانية غلق الملف من الناحية القانونية وإنهاء النزاع على مستوى القضاء حيث من المرجح أن تحكم الدائرة المختصة بمسألة العدالة الانتقالية بحفظ جميع التهم في حق كافة المشتبه بهم بعد وفاتهم وحفظ القضية وعدم توجيه أي إدانة لأي فرد من الأفراد الست وبذلك يكون المسار القانوني للقضية قد انتهى وأغلق.
كشف الحقيقة
الجديد الآخر هو بعد حفظ القضية وغلق الملف القضائي والقانوني فإنه لم يبق في هذا الملف إلا المساءلة السياسية ومطالبة الدولة التونسية بالاعتراف بما ارتكبه نظامها السياسي في حقبة من تاريخها على يد أحد رؤسائها من جريمة سياسية ترتقي إلى أن توصف بجريمة دولة… وهذا فعلا ما طالبت به عائلة المرحوم صالح بن يوسف حيث توجهت بجملة من الطلبات منها إلغاء حكم الإعدام الذي صدر ضد صالح بن يوسف والمطالبة بالكشف عن الحقيقة كاملة وإنصاف الزعيم ين يوسف بأن تتقدم الدولة التونسية بالاعتذار عما حصل له وأن يُعاد له الاعتبار من خلال إعادة كتابة تاريخ الحركة الوطنية في بعض محطاتها بما لا يقلل من قيمته وقدره وإيلائه المكانة التي يستحقها في الذاكرة الوطنية كرمز وطني لا يقل قيمة عن الرئيس بورقيبة مع رد الاعتبار لشق كبير من التونسيين الذين كانوا مساندين للحركة اليوسفية، وتعرضوا بسبب هذا الانتماء الى التنكيل والمحاكمات والاقصاء وبهذه الطريقة تحصل المصالحة التي يطالب بها الكثيرون بين الدولة وأبنائها وإنهاء الخصومة التي تم توريثها بين الشق الدستوري والشق اليوسفي.
مساءلة سياسية
اليوم وبعد أن وصلت محاكمة المشتبه بهم في ملف اغتيال صالح بن يوسف إلى نهايتها بعد كل التطورات الحاصلة في هذا الملف الشائك فلم يبق بعد غلقه في جانبه القانوني والقضائي إلا المساءلة السياسية والنقاش التاريخي والمصالحة بين الشعب التونسي وتاريخه .. اليوم لم يبق من كل المعركة اليوسفية البورقيبية إلا أن تكون للدولة الشجاعة والجرأة المطلوبة لتقديم الاعتذار لعائلة صالح بن يوسف ولكل المساندين لليوسفية عما حصل لزعيم من أبرز زعماء الحركة الوطنية من اغتيال على يد الدولة التونسية ونظامها السياسي.
استعداد الدولة؟
ولكن المشكل الذي يعترض هذه الطلبات يكمن في معرفة مدى استعداد الدولة التونسية اليوم للاعتراف بما ارتكبه نظامها السياسي في حقبة من تاريخها من جريمة قتل وتصفية جسدية بحق زعيم من زعمائها الكبار على يد زعيم آخر تسلم ممارسة الحكم؟
المشكل المعيق لغلق الملف اليوسفي من دون توريث الأحقاد للأحفاد في معرفة هل أن الدولة التونسية تعتبر أن ما حصل لصالح بن يوسف هو جريمة دولة تتطلب تقديم الاعتذار أم لا؟
يبدو أن الدولة التونسية اليوم غير مستعدة للاعتراف بأن الذي حصل لصالح بن يوسف هو جريمة سياسية وراءها جهاز مخابراتها و غير مستعدة كذلك لتقديم الاعتذار اللازم لكل الضحايا عما نسب للرئيس الحبيب بورقيبة من ضلوع في عملية الاغتيال التي تعرض لها صالح بن يوسف يوم 12 أوت 1961، وما حصل من تداعيات خطيرة بعد هذا الاغتيال لا زالت آثاره إلى اليوم بادية.