محمد الناصر يروي: هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011/ سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (1/ 4)

إعداد: نوفل سلامة
مع اقتراب الذكرى الرابعة عشر للثورة التونسية 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 نشرع في سلسلة من المقالات حول أحداث الثورة التونسية بكل آمالها وخيباتها وكل تقلباتها ومنعرجاتها…
من خلال مذكرات الرئيس الأول بعد الثورة فؤاد المبزع وآخر رئيس قبل حدث 25 جويلية 2021 محمد الناصر غايتنا في ذلك تنشيط الذاكرة واستحضار التاريخ وإعادة فتح النقاش حول مسار الثورة من أجل الفهم والتدبر والعبرة والتوقف مع شهادة شخصيتين قادهما القدر إلى قصر قرطاج ليكونا شاهدين على التاريخ:
هكذا عشت ثورة جانفي 14 جانفي 2011:
حديث في مذكرات الرئيس الأسبق محمد الناصر أو سيرة رجل ساقه القدر إلى قصر قرطاج (1 / 4)
ما يعرف عن محمد الناصر (21 مارس 1934 أصيل مدينة الجم) أو كما يحلو للبعض أن يلقبه بأب الشؤون الاجتماعية أو الرجل الذي ساقته الأقدار ليصبح رئيسا للجمهورية لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، أن له مذكرات كتبها منذ أربع سنوات وردت في كتاب نشر باللغة الفرنسية سنة 2021 تحت عنوان ” جمهوريتان وتونس واحدة « …
ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أنه أجرى حوارا مطولا في حلقات يومية بلغ عددها 187 حلقة امتدت من يوم 22 سبتمبر 2023 إلى يوم 25 مارس 2024، يمكن اعتبارها حديث روح يرتقي إلى أن يكون سيرة ذاتية أو مذكرات لمسيرة حياة تحدث فيها عن نشأته الأولى وكل المراحل والمحطات التي عرفها ومسيرته السياسية التي تقلد خلالها عديد المناصب حتى وصل إلى سدة الحكم بعد الثورة ليتولى منصبا وزاريا في وزارة الشؤون الاجتماعية ثم رئيس مجلس نواب الشعب قبل أن توصله الأقدار ليصبح رئيسا للجمهورية بعد وفاة الباجي قائد السبسي تطبيقا لدستور سنة 2014…
وقد كان وقتها يشغل منصب رئيس مجلس النواب حيث ينص الدستور على أنه في حالة حصول شغور دائم في منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس النواب الرئاسة بصفة وقتية إلى حين إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في ظرف تسعين يوما…
أيام الثورة
يبدأ محمد الناصر رئيس الدولة الأسبق حديثه عن الثورة التونسية وتداعياتها وما عرفته من منعرجات في مذكراته من الحلقة 133 المنشورة في يوم 31 جانفي 2024 بالقول ” لقد عشت ثورة 14 جانفي 2011 كما عاشها كل التونسيين وبنفس الآمال والطموحات في تغيير البلاد ونفس الانتظارات التي تجعل من التشغيل استحقاقا ومن الديمقراطية والسيادة الوطنية حلما قابلا للتحقيق »..
يذكر أنه كان قبل الثورة بعيدا عن العمل السياسي وكذلك النشاط الحزبي وكان نشاطه يقتصر على لقاءات فكرية مع بعض الأصدقاء من السياسيين القدامى للحديث في الشأن العام والتفكير في القضايا الفكرية، وكان متفهما للأسباب التي قامت عليها الثورة ومقتنعا بها والتي يرجعها إلى الاختلال في الحكم وفي منظومة الحريات واختلال ثان في عدم التوازن بين الفئات الاجتماعية وبين الأجيال وهي الأوضاع التي قادت إلى أحداث الحوض المنجمي سنة 2008..
ثورة الطبقة الوسطى والشباب
يعتبر حدث 14 جانفي 2011 ثورة الطبقة الوسطى والشباب ولم تكن كما يُسوّق لها ثورة الجياع والفقراء ضد النظام السياسي وضد الدولة باعتبار هذه الأخيرة قد تخلت عن دورها، ولم تقم بأهم واجباتها وهو حفظ النظام والمساهمة في إعادة توزيع ثمار الإنتاج..
وفي هذا السياق يجري محمد الناصر مقارنة لفهم الأسباب التي قادت إلى الثورة بين حرق الشاب ” عبد السلام تريمش ” البالغ من العمر 30 سنة وكان بائعا متجولا في مدينة المنستير في 3 مارس 2010 وبين حادثة حرق “محمد البوعزيزي” نفسه في سيدي بوزيد في يوم 17 ديسمبر 2010، ليكون الحدث الأول حدثا منعزلا وغير مؤثر في نمط الإنتاج وليس له علاقة بموضوع العدالة الاجتماعية ولا بسياسة البلاد ولم تتبعه احتجاجات، في حين أن عملية البوعزيزي كانت مؤثرة وأبرزت فظاعة الفقر وخطر الاقصاء وقضية التهميش فكانت الثورة وكانت ثورة الطبقة الوسطى ولم تكن ثورة الجياع ولا ثورة البطالين..
قيادات سياسية قديمة
ينتقل إثر ذلك إلى الحديث عن قضية خطيرة ومحورية في فهم مسار الثورة ويلفت النظر والانتباه إلى الجهات التي بدأت التفكير في كيفية إدارة الأحداث والتأثير في الثورة والتحكم فيها وتوجيهها يقول : بعد رحيل بن علي وسقوط نظام حكمه تحركت الآلة السياسية ومعها برزت قيادات قديمة سابقة في الدولة مثل السادة أحمد بن صالح وأحمد المستيري ومصطفى الفيلالي الذين قدموا مبادرات لـ هيئة أو مجلس حماية الثورة والانتقال الديمقراطي.
انضم إلى حكومة الغنوشي منذ 15 جانفي 2011 وتسلم حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن رفض تسلم مهمة وزير الداخلية وباشر أخطر الملفات الاجتماعية بكل عناوينها وتداعيات الثورة، وسوف يقف على محطات كان سقف المطلبية فيها عال جدا وفيها مطالب عديدة بتسوية الوضعية ووقف على معضلات البلاد التي تتطلب إصلاحات لكن التطور المفاجئ أن محمد الغنوشي قدم استقالته ليخلفه المرحوم الباجي قائد السبسي ومعه حافظ محمد الناصر على منصبه في وزارة الشؤون الاجتماعية.
تم تكليفه من قبل الرئيس فؤاد المبزع بتشكيل الحكومة والذي حافظ فيها على أسماء في وزارات السيادة لكن سرعان ما أفلت تلك الحكومة ولم يتم القبول بها لينضم بعد ذلك إلى حكومة الغنوشي الثانية ويُكلف بالإشراف على وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن رفض عرض منصب وزيرا للداخلية.
يقول بعد أن أصبحت وزيرا للشؤون الاجتماعية انكببت على الملف الاجتماعي لإلمامي بكل تفاصيله في مسائل الفقر والبطالة والتهميش ولوعيي بأن شعارات الثورة لها بعد تنموي اجتماعي…
ويضيف: بعد معاينة الوضع العام وحالة الاحتقان والإحباط عند الموظفين شعرت بأن الدولة الاجتماعية لم تكن خيارا خاطئا وأن الدولة الراعية هي الحل وأن الدولة الاجتماعية لا تزال مطلبا شعبيا: ‘الدولة التي تشغل وتقري وتوكّل’…
قرارات..
يقول كانت تسوية وضعية عمال المناولة وآليات التشغيل الهش لها الأولوية في وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الثورة لكن المدة لم تكن كافية لحل هذا الملف نتيجة دخول البلاد في الإعداد والتحضير لانتخابات 23 أكتوبر 2011 وما حصل من استقالة محمد الغنوشي في 27 فيفري 2011 وبقدوم الباجي قائد السبسي على رأس الحكومة سوف تعرف البلاد إقرار العديد من القرارات الجريئة.
وللمقال صلة…