محمد الحبيب السلامي يحب أن يفهم/ علم عاش في صفاقس ثم ودع: القاضي محمد بن العدل محمود بن سعيد العذار 1824 ـ 1886

كتب: محمد الحبيب السلامي
عائلة العذار في صفاقس عُرفت بالقضاء…ومنذ شهور حدثتكم عن الحفيد القاضي محمد بن القاضي محمد العذار، اليوم أحدثكم عن الجدّ الذي تولى القضاء في عهد البايات، وتولى القضاء طيلة أربع سنوات في عهد الحماية وله تاريخ يُدرّس للعبرة…
البدايات
ولد بصفاقس سنة 1824 تعلم في الزاوية وحفظ القرآن وروى بعض العلوم عن بعض العلماء بالجامع الكبير بصفاقس، ثم سافر إلى مصر يطلب العلم عن مشائخ الأزهر قضى في مصر اثنتي عشرة سنة تزوج فيها بالسيدة يامنة بنت الحاج محمود بوعصيدةً، التاجر الصفاقسي المستقر بالقاهرة…
لما قرر الرجوع إلى صفاقس أدى فرضه وحجّه وعاد في صفاقس تولى العدالة ولما وقعت واقعة المشري وعسل عيّنه الصادق باي رئيس مجلس الجنايات، ولما تم الفصل في قضية المشري وعسل أبطل الصادق باي مجلس الجنايات، لما ظهرت كفاءته العلمية وكفاءته في الفصل في القضايا عيّنه الصادق باي قاضيا على صفاقس فارتاح له الصفاقسيون وقدروه لعدله…
دخول الاستعمار
لما عقد محمد الصادق باي مع الدولة الفرنسية في 12 ماي 1881 معاهدة الحماية فرضا و غصبا وقهرا كانت فرنسا تنشر في شوارع المدن التونسية وأسواقها أوراق الدعاية الكاذبة، تعلن فيها أن سلطة الباي تبقى قائمة، وأن فرنسا سوف تساهم في نشر الخير والرخاء والعدل…
لما عقد محمد الصادق باي معاهدة الحماية وجه أعوانه وعمّاله نحو المدن والأرياف لـ يقنعوا التونسيين بقبول معاهدة الحماية واستقبال الفرنسيين بالطبل والمزمار والزغاريد، لما ثبت لسكان صفاقس ولم يكن عددهم يتجاوز الستة عشر ألفا أن الباي فُرضت عليه معاهدة الحماية اجتمع قادتهم وقرروا رفضها والوقوف ضد دخول الجيش الفرنسي صفاقس..
رسالة
لما علم الصادق باي بموقف صفاقس طلب من عامله بالساحل أمير الأمراء محمد البكوش أن يراسل قاضي صفاقس محمد العذار ويقنعه بأن المعاهدة فيها خير وبركة، والقاضي يقنع سكان صفاقس ويستقبلون الجيش الفرنسي بالترحيب ووصلت القاضي الرسالة لكنه أخفاها ولم يعلن عنها لأن القاضي العذار كان موقفه ضد الحماية، وحدثت في صفاقس الحرب وسجل فيها المجاهدون الصفاقسيون في البداية صفحات نصر وجهاد مشرفة…
حقد وعداء
ولكن لأن الفرنسيين كانوا في الجنود أكثر عددا وفي السلاح أكثر عتادا فقد انتصر الفرنسيون ودخلوا صفاقس بروح الحقد والعداء فقتلوا وجعلوا الشوارع أنهار دماء وخربوا ما كان في طريقهم ومما خربوه المباني التي كانت في صفاقس على ملك الأوربيين، ولما انتصر الفرنسيون طالبهم الأوروبيون في صفاقس بتعويضهم أضرار الحرب في أملاكهم فمن يدفع اضرار الحرب؟
يقول التاريخ ويسجل إن فرنسا الحضارة والمدنية والعدالة كونت جمعية أضرار الحرب من القيادات الصفاقسية المقهورة ومن أعضائها (القاضي محمد العذار) ليجمعوا من أهالي صفاقس المنكوبين في أهاليهم وأموالهم الملايين، والملايين تُصرف للأوروبيين الذين خرّب الجيش الفرنسي أملاكهم…
ودّع الدنيا
وبقيت جمعية أضرار الحرب تؤدي دورها كرها وتجمع الأموال كرها في هذه الظروف جاء أجل القاضي محمد العذار سنة 1886 فودع دنياه وودعه أهله وودعته صفاقس بالرحمة وحسن الذكر، وقد ترك في بيته مكتبة ثرية توارثها بعض أحفاده و امتدت إليها أيدي اللصوص فنهبتها وبقي هذا القاضي يُذكر فبماذا سيذكره الأصدقاء لنزداد به معرفة وفهما وأنا أحب أن أفهم؟