صالون الصريح

عيسى البكوش يكتب/ الأديب الصادق مازيغ (1906-1990): صاحب أفضل ترجمة للقرآن إلى الفرنسية..

ISSA BACCOUCH
كتب: عيسى البكوش

عديدة هي الترجمات للكتاب الحكيم في جلّ لغات العالم.

ففي اللغة الانقليزية هناك المصحف المنسوب إلى الرئيس الأمريكي Thomas Jefferson (1743-1826) وهو موجود بمكتبة الكونغرس منذ سنة 1800 وهو المترجم من طرف جورج سيل عام 1765.

ومن قبله في اللغة الفرنسية توجد ترجمة Audi Rys عام 1751 وتلتها تراجم “الشيخين” أستاذي السربون Régis Blachère (1900-1973) و Louis Massignon (1883-1962).

ترجمات تونسية

أمّا في تونس فلنا ترجمات الصيدلاني صلاح الدين كشريد (1924-2012) والأستاذ المؤرّخ عز الدين قلوز (1932-2023) والإعلامي نور الدين بن محمود (1914-1990) والفيلسوف يوسف الصديق.

أفضل الترجمات

أما أفضلهم بشهادة المتلقين في الغرب فهي من إنجاز الأديب الصادق مازيغ المولود بمدينة تونس يوم 16 جويلية 1906 بنهج الورغي بباب سويقة حيث تلقى تعليمه بمدرسة نهج التريبونال ثم بالمدرسة القرآنية “السّلام” بإدارة الأستاذ الشاذلي المورالي، وفي سنة 1918 التحق بـ الصادقية الذي تخرّج منها سنة 1924 ثمّ انخرط في سلك التعليم الابتدائي، ولكنه واصل تعليمه العالي بالمراسلة مع كلية بالجزائر إلى حين تحصّله على الإجازة في اللغة العربية والفرنسية…

درّس في الصادقية

فدرّس في الصادقية وفي معهد كارنو وانتقل سنة 1938 إلى صفاقس حيث درّس في معهد الذكور بها ومن تلاميذه العلمان عبد المجيد شاكر ومنصور معلى وهما من مؤسّسي اتحاد الطلبة، ثم انتقل سنة 1949 إلى سوسة حيث درّس بمعهدها الثانوي.
وبالموازاة كان يؤثث حديثا أسبوعيا بالإذاعة منذ سنة 1945 تحت عنوان “رسالة إلى أبي حيّان” وبلغت هذه الرسائل على امتداد عشر سنوات حوالي خمسمائة وقد وقع نشر قطوف منها من طرف الشركة التونسية للتوزيع سنة 1961 تحت عنوان “بين عصرين”، كما كان يقدّم برنامج ‘روضة الآداب’ وقد حاز جزاء هذا العطاء الأدبي جائزة قرطاج سنة 1953.

كتب في الصحف

ولكنه لم يكتف بالمصدح فلقد كان يكتب المقال ونشر في مجلتي ” الثريا” لصاحبها نور الدين بن محمود و”المباحث” لصاحبها محمد البشروش (1911-1941) وجريدتي “النهضة” لصاحبها الشاذلي القسطلي (1882-1953) و”الزهرة” لصاحبها عبد الرحمان الصنادلي (1850-1935).
وكان إلى جانب ذلك يقرض الشعر، يقول عنه نور الدين بن محمود في مجلة “الثريا” عدد أوت سنة 1944 : “إنه شاعر في صورة بهلوان ينظم الشعر في كلّ موضوع: في ذمّ عامل المطبعة الذي شوّه قصيده، وفي الشكوى من الطفيليات الجوية.
لا أذكر أني عرفت من الأدباء من يجاريه في إقباله على المطالعة ومن يحاكيه في الغوص في محيط اللغة للظفر بكلمة شاذة أو معنى غريب أو صورة مبتكرة فيضمّنها في شعره المتين.”
وهو لا يكتفي بنظم ما تجود عليه قريحته بل هو يترجم شعر الآخرين الناطقين بالفرنسية ولقد دأب على ترجمة أشعار Baudelaire وخاصة “أزهار الشرّ”.
يقول عنه صديقه أبو القاسم محمد كرو في الغرض ” أنه لم يترجمها فقط بل أعاد سبكها وصياغتها شعرا وأضفى عليها الكثير من أسلوبه ومشاعره”.
وهذا يحيلنا إلى ما “اقترفه” معاصره محمد سعيد الخلصي (1898-1962) الذي ترجم أشعار Victor Hugo وإلى معاصرنا الصديق عبد العزيز قاسم الذي كثيرا ما يتحفنا برائعة شعرية يكون قد ترجمها شعرا من العربية إلى الفرنسية أو العكس.

رسائل من السجن

إلى ذلك فقد ترجم الأستاذ مازيغ رسائل من داخل السجن للجزائري أحمد طالب الابراهمي وكتاب في جغرافية تونس لدوبوا.
لقد عدّه الفقيد الصديق محمد مواعدة في كتابه عن “الترجمة في تونس” رائدا من روّاد النقل والتنقل بين لغتي الجاحظ وموليار.
وفي مجال الفن الرابع فلقد ألف بالاشتراك مع الأستاذ محمد بورقعة (1906-1967) مسرحية “فتح صقلية”.
أمّا عن مساره المهني ما بعد التعليم فلقد عمل موظفا بوزارة التربية ثم بوزارة الإعلام في مصلحة الترجمة ثم التحق بالدار التونسية للنشر.
نال من أجل إنتاجه الغزير الجائزة التقديرية لبلدية تونس سنة 1982.
كما أنه أُحدثت بمعرض تونس الدولي للكتاب جائزة قارّة تحمل اسمه ومخصصة للترجمة.
توفي رحمه الله يوم 14 مارس 1990.

الصورة: الصادق مازيغ في بورتريه لأنس عوض عن ‘العربي الجديد’

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى