خواطر سريعة حول كتاب ‘مغامرة الحياة بين العلم والخرافة’ للطبيب الأديب د. أحمد ذياب
كتب: خالد الغريب
تصدير: إذا غامرت في شرف مروم…….فلا تقنع بما دون النجوم المتنبي
منذ عتبة العنوان “مغامرة الحياة بين العلم والخرافة” يسحبك الكاتب من عالمك الهادئ والخامل إلى مغامرة القراءة وفضاءات العلم و ونشاط المعرفة وإعمال العقل.
يؤنسك بسلاسة أسلوبه الصريح والفصيح، كأنه يقصّ عليك ما بدا محلّ سؤال: يشرح ويشرّح أفكاره ـ مادام كاتبنا طبيب تشريح ـ يجترح ـ وهو الطبيب الجرّاح ـ من نبيل علمه بالإنسان والحيوان والطير والنبات والكون والكيان والحياة والموت والثابت والمتحوّل والصحّة والمرض والدماغ والذكاء والغباء والذاكرة والنسيان وأعراض المرض ما بان منه وما استتر، ما به نكون كائنات واعية بشروط وجودها.
مدار إلى مدار..
على هذا الأساس هو يعرُج بك من مدار إلى مدار، متسلّحا بثقافته الأنتروبولوجية، يدخلك عالم الخرافات والجنّ وما ساد من اعتقادات بالية لينفيها بالحجة والبرهان. ويمتعك بحكاياته عن درّاجة أبيه ومفكّ البراغي، بل ويطرح عليك أسئلة الهُويّة والراهن من الوقائع زمن الكورونا. ينقُلك من باب إلى باب ومن موضوع إلى موضوع فلا ينتابك الملال ولا الكلال، حتى حين بستطرد فليفسّر، وحين يراكم الأسئلة فليتركها مفتوحة على التشويق والتشريق، جامعا بين الحداثة والتأصيل، وعيا بالتاريخ وإيمانا بالحضارة العربيّة الإسلاميّة والإنسانيّة على السواء من دون تعصّب أو جمود.
الخيط الناظم
ولسائل أن يسأل ما الجامع بين هذه المحاور والمدارات والشذرات وقد وردت منجّمة منشورة في أزمنة مختلفة: أليس هو القائل في شأنها في مقدّمة المؤلف “والكتاب يستعرض حقائق علمية ورؤى مستقبلية برزت أثناء دراستي للطبّ والتشريح والأنثروبولوجيا. ونقلتها عبر تدريسي لهذه المواد بكلية الطب والآداب وغيرها، اعتمادا على ما جمعته من بحوث وتلخيصا لما نشرته بالصحف والمجلاّت العلميّة واقتباسا من المحاضرات العديدة التي ألقيتها ومن كلّ ما وثّقته في كتب ألفتها أو ترجمتها.”
إنّ الخيط الناظم بين شتى هذه القضايا هي الحياة بأوسع أوساعها، بما تكتنزه الذات الكاتبة من خبرة في الطبّ بصنوفه ومعرفة شاملة بالعلم قديمه وحديثه، ما انتمى منه إلى الشرق أو إلى الغرب. وما هذا الرصيد المنجز إلاّ أمارة على قدرة صاحبنا الفائقة على التواصل اللّساني واللغوي والبيداغوجي مادام كاتبنا مترجما يحذق ألسنا متنوّعة، فرنسية وانجليزية وإيطالية.
وما دام يروم المغامرة “غامر فلان جازف والمغامر الميال إلى خوض المخاطر” و”غامر رحل وراء المجهول مخاطرا بنفسه.” كما جاء في بعض المعاجم.
تحريك السواكن الثابتة
نعم هو خاطر بنفسه ليبدّد الجهل ويحرّك السواكن الثابتة ويخوض في الأسئلة المحرّمة التي تتعلّق بالخلق والنشوء والارتقاء ومنزلة الإنسان من الحيوان.
كأنه يردّد على لسان الروائي الكبير باولو كويلو (Paulo Coelho):”إذا كنت تعتقد بأن المغامرة خطرة، فجرّب الروتين فهو قاتل”
أو على لسان اندريه جيد: (André Gide) ” من ينطلق نحو المجهول عليه الرضا بالمغامرة وحيدا”
أخيرا أقول لك يا صاحبي بعد أن أنهيتَ الكتاب: لم تعد وحيدا في المغامرة.. لقد صرنا مغامرين معك لأنّ القراءة الواعية بشروطها هي أعلى درجات الكتابة، إذا ما أخذنا بنظريّة “يوس” (Hans-Robert Jauss ) في جمالية التقبّل (Esthétique de la réception)
لقد صرنا منك إليك نشاطرك مغامرة الحياة.. وثق أنّنا نزعنا عنّا الخرافة لنكون في بحار العلم وأقاصي الحلم بغد أفضل.